العمل السينمائي في ليبيا: قوانينه وأهم تحدياته
بقلم فرج السليني
يستعرض هذا المقال تأثير دور الجهات المنظمة للعمل السينمائي في ليبيا، والتي لها اليد العليا في الموافقة على إقامة الأنشطة السينمائية والعروض والمهرجانات، على العمل في القطاع الثقافي والفني وعلى وجهة الخصوص في مجال السينما.
إذ أن أغلب المنظمات والمؤسسات الثقافية تقوم بالتسجيل في مفوضية المجتمع المدني لأن التسجيل لديها يعتبر واضحًا وبسيطًا. حيث يطلب من الراغبين في التسجيل كمنظمات ثقافية أو فنية لدى مفوضية المجتمع المدني تقديم محضر اجتماع تأسيسي، ونموذج يتم تعبئته بالاسم والأهداف والفئات المستهدفة، ونموذج بصفات الأعضاء المؤسسين/ات داخل المنظمة، ونموذج للنظام الإداري الأساسي يمكن تعديله.
ورغم أنه نظريًا يفترض أن يضمن التسجيل حق إقامة الأنشطة المكتوبة بالأوراق الرسمية بدون أخذ الموافقات وبما لا يتعارض مع القوانين القضائية بموجب المادة (١٥) من الإعلان الدستوري الليبي لعام ٢٠١١، حيث إن مفوضية المجتمع المدني شخصية اعتبارية ذات ذمة مالية مستقلة وتتبع المجلس الرئاسي الليبي. لكن الواقع يقول بأنه لابد من أخذ الموافقات الأمنية لإقامة المهرجانات والعروض، أحيانًا من المفوضية وأحيانًا من هيئة الخيالة والمسرح والفنون (وهنا الخيالة هو مصطلح السينما في الهيئات العامة الليبية) وهي هيئة دستورية تابعة لمجلس الوزراء تعمل على توفير بيئة لممارسة الفنون من إقامة مسارح ودور عرض إلي توفير دعم للفنانين عن طريق فرص تمويل خاصة وعامة. 1خاصة بمعنى الذهاب مباشرة للهيئة وطلب الدعم، وعامة هي التي من المفترض أن يتم نشرها على مواقعهم الرسمية. أحيانًا أخرى يتم طلب الموافقات من البلديات، حيث إن اختصاصات البلدية القانونية والدستورية هي الإشراف والتخطيط والمراقبة على الأعمال الواقعة بنطاق البلدية.
كل هذه الهيئات تفرض القوانين بشكل عشوائي وتتطلب الموافقات ووقت وأموال كثيرة، لذا فكان نتاج غياب السياسات الثقافية المفهمة انكماش العمل الثقافي في ليبيا، الأمر الذي يكون نتاجه مجتمع غير واعي ومائل للعنف إذا افترضنا بأن وجود عمل ثقافي قد يهذب المجتمع ويكسر لديه حاجز الخوف ويحد من العادات والتقاليد السيئة لكونه يهدف لتحليل مشاكل المجتمع والتوعية بها والعمل على حلها على المدى البعيد.
تتعدد أسباب ضعف العمل السينمائي في ليبيا، ومن ضمنها عدم وجود دور عرض قائمة، بالرغم من وجود عدد منها مغلق أو تحت سيطرة جهات أمنية للدولة، وقلة مصادر التمويل والمنح للعمل بهذا المجال، وعدم وجود الاستقرار الأمني، والعادات والتقاليد، وغيرها من الأمور التي تطرق لها عدة مخرجين وعاملين وعاملات بالمجال السينمائي في ليبيا من خلال حديثي معهم. ينتمي من تحدثت معهم إلى مدن طرابلس وبنغازي ومصراتة، وهي أكبر ثلاثة مدن في ليبيا، والذين أوضحوا خلال المقابلات التي أجريتها معهم على عملهم ومدى معرفتهم بالقوانين واقتراحاتهم لتطوير القوانين السائدة.
يجب أن يتم التنويه بأن مدينتي مصراتة وطرابلس من الغرب الليبي، وهما تحت سيطرة مفوضية مجتمع مدني وهيئات سينما منفصلة عن الشرق الليبي المتمثلة في هذا المقال بمدينة بنغازي بسبب الانقسام السياسي في الدولة.






لتطوير الملاحظات المعروضة في هذا المقال قابلت عددًا من الشخصيات الفاعلة في المجال السينمائي في ليبيا وهم :
- سامر العامري، ٣٠ سنة، صانع أفلام ومؤسس منظمة ليبيا للأفلام من مدينة طرابلس.
- ميسون صالح، ٤٠ سنة، كاتبة ورئيسة نادي السينما بمنظمة تاناروت للإبداع الليبي من مدينة بنغازي.
- إبراهيم بن سعد، ٣٣ سنة، صانع أفلام وأحد مؤسسي منظمة أركنو للثقافة والفنون من مدينة بنغازي.
- محمد المصلي، ٣٨ سنة، صانع أفلام وأحد أعضاء منظمة ليبيا للأفلام من مدينة مصراتة.
- الحسن بوخريص، ٣٤ سنة، صانع أفلام وطالب ماجستير بكلية الإعلام جامعة بنغازي قسم مسرح وسينما.
- أميمة السنوسي، ٢٣ سنة، صانعة محتوى/مساعدة إخراج وطالبة في قسم السينما بكلية الإعلام جامعة بنغازي.
وأستعرض فيما يلي أهم العناوين التي تطرقوا لها خلال حديثهم.
١- الحافز للعمل بالمجال السينمائي:
في المقابلات تم الاتفاق على عدة نقاط، حيث قال ابراهيم ” السبب اللي خلاني نشتغل في المجال هذا عشان نوصل الأفكار ابتاعي ونأثر بها على الناس”، وأضافت أميمة في هذا السؤال ” للفن وسيلة إن تخليك لا شعوريا مكان الفنان أو الشخصية اللي يحكي عليها بحيث لو في السينما تلقى روحك متعاطف ومتأثر مع الشخصيات والأفكار”، وقال الحسن ” ليبيا أرض خصبة عشان تشتغل فيها، سوا القصص أو القضايا لكن في تحديات”، وقال سامر ” في رغبة لتكسير الصورة النمطية عن ليبيا باستخدام الأفلام، وفي برضو الرغبة عشان نطلعو بليبيا للعالم ومش العكس”.
٢- سبب إنشاء منظمات مختصة بالعمل السينمائي:
العامري والمصلي في نفس المنظمة، وقد أوضحا أن “سبب إنشاء المنظمة عشان نعملو كمظلة للمهتمين والمهتمات بالمجال السينمائي، وبرضو عشان نكسروا العادات والتقاليد اللي تحكم بشكل كبير المجتمع الليبي، ومن الأسباب هجرة عدد من صناع الأفلام الليبيين للخارج، الأمر اللي حفزنا ننشؤوا منظمة تحتضن صانعي الأفلام في ظل غياب منظمات مختصة بالسينما وغياب وجود الدولة”.
٣- أسباب غياب منظمات عديدة في هذا المجال:
الخوف من الوضع الأمني، لأن بحكم الوضع في ليبيا، فمثل هذه المنظمات والعمل الثقافي يحتاج إلى معارف وعلاقات مع الجهات الأمنية.
٤- القوانين الحالية المنظمة للعمل السينمائي:
ممن قابلتهم، لم يكن الكثير على اطلاع بالقوانين المنظمة لهذا المجال، ماعدا العامري والمصلي، حيث قالا عنها بأن “معرفتنا بيها كانت عن طريق القوانين الخاصة بمفوضية المجتمع المدني اللي نتبعولها واللي تعتبر خانقة بكل، عشان يتطلب الأمر إنك تفكر في أدق الأمور وحسبتها ومراجعة الأمن الداخلي خوفًا من أي شيء ممكن إن يعرقلّك العمل، سواء في العرض أو في الأنشطة اللي انديروا فيها”، كل هذه العراقيل على لسانهم تحدد ما هو مسموح وما هو غير مسموح بدون وجود مراجع لهذا الأمر، حيث إن تحديد المسموح من عدمه يعتمد على الموظف في الأمن الداخلي الذي يقوم بإعطائهم التصريحات، مما يصعب العمل، لأنه كما يقول المصلي “مافش فن لو كان مقيّد”، وهذا بالطبع يأتي لعدم وجود مساعدة من هيئة الفنون والخيالة والمسرح في أي إجراء سواء في أخذ تصريحات أو غيره، وقال سامر “السنة اللي فاتت بعد ما درنا مهرجان سبتيموس السينمائي في مدينة طرابلس، أصدرت الهيئة قرارًا عامًا بأنه لا بد من رجوع جميع المنظمات إليها عندما تريد إقامة أية عروض أو مهرجانات سينمائية، مما قيّد العمل بشكل كبير، حيث إنها مش قاعدة أدير في مهرجانات وتوا تبي تقيّد عمل من عنده الرغبة، ولكن بعد حملات مناصرة ضد هذا القرار تم سحبه”.
بالإضافة إلى ذلك انقسمت الهيئة بالمنطقة الغربية إلى جهتين، بسبب بعض الصراعات الداخلية على السلطة، بجانب الانقسام السياسي الذي حدث عندما تم الإعلان عن حكومة الوفاق الوطني بطرابلس عام ٢٠١٥ مما نتج عنه تأسيس حكومة مؤقتة موازية تحكم المنطقة الشرقية من البلاد، ولكل جهة المال والسلطة وقانون تستند إليه في عملها مما جعل العامري والمصلي مضطرين لدعوة الجميع لارضائهم والأمر قد وصل لدفع الرشاوي عندما كانوا يخططون لتدشين مهرجان ستنطلق فعالياته بعد سنة مع جهة تابعة لوزارة الثقافة، حيث طلب الموظف رشوة بمبلغ كبير للاستمرار في الإجراءات. فاضطرا كحل بديل الذهاب إلى البلدية التابعين لها لأخذ الموافقات منها لعرض الافلام في مساحات عمل مشتركة، والبلديات اضطرت إلى أخذ موافقات من مديريات الأمن، الشىء الذي يعتبر غريبًا لأن العروض كانت لأفلام ليبية تتحدث عن أمور إنسانية ومصالحة وطنية ولم تقم بالمساس بأي شيء من عادات وتقاليد المجتمع.
من جانب آخر، يختلف الوضع بالنسبة للعاملين والعاملات بالمنطقة الشرقية. نتيجة الانقسام السياسي، فمفوضية المجتمع المدني وهيئة الفنون والخيالة والمسرح في الشرق لا تتبع للغرب، وإجراءات مفوضية المجتمع أخف في الشرق عن مثيلتها في الغرب، ولكن لا بد أيضًا من أخذ الموافقات الأمنية للعروض خارج مقر المنظمة، وكما قال الحسن “الأمر صعب لو بتشتغل على السينما في ليبيا، سواء لو تبي تنتج أو تعرض”، وتضيف أميمة “من ناحية العروض فالموضوع صعب، لإن مافش حد مهتم، حتى في الكلية، أنا كطالبة نشوف إن مافش ضغط من أساتذة ودكاترة وطلبة وطالبات قسم السينما في الجامعة إنهم يتحركوا، ولا إنّ يتحركوا عشان يغيروا المنهج القديم أو يديروا عروض مستمرة”؛ وأحيانًا أخرى اضطروا لأخذ موافقات حتى للعرض داخل مقار المنظمات، “وعمليًا مافش قوانين واضحة، تخلّينا نشتغلوا بدون توترات ونركزوا إن انديروا عروض سينمائية في بلاد مافيهش دور عرض” كما تقول ميسون صالح، فطال الأمر إلى أن تم مقاضاة منظمة تاناروت بسبب عروض الأفلام بقانون العقوبات الليبي في المادة (٥٠٠) والذي ينص على معاقبة كل من يعرض أشياءً منافية للحياء العام، مما يعيدنا لما قالته على لسانها، “شنو هو الحياء ومن يقدر يقايضنا بيه ويحدده لنّا”.
خاتمة وتوصيات
أرى كما يرى كل من تحدثت معهم بأن ليس هناك قوانين واضحة ومنظمة للعمل السينمائي في ليبيا، وأن هناك بعض القرارات الصادرة من هيئة الفنون والخيالة والمسرح المقيدة لعمل المنظمات التي تتبع لمفوضية المجتمع المدني في هذا المجال، مما يجعلنا نتساءل عن إلى من تلجأ المنظمات الثقافية والسينمائية في أخذ الموافقات وغيرها من الأمور التي يتطلبها العمل، هل من الأمن أم من الهيئة أم من مفوضية المجتمع المدني؟ بالرغم من أن التسجيل لدى المفوضية يسمح بإقامة العروض والأنشطة، ويكفل للمنظمة قانونًا إقامة مثل تلك الأنشطة من دون الحاجة لأخذ الموافقات إلا أن الوضع على أرض الواقع منافي لذلك.
عدم دراية صناع وصانعات الأفلام بالقوانين وإن كانت قليلة وغير كافية ومقيدة في تطبيقها، سيكون معرقلًا مستمرًا للعمل، ولن يسمح بالاستمرارية، فمعرفتهم بما لهم وعليهم هو ضرورة من أجل التغيير أو العمل بما هو متاح لضمان سير عجلة العمل السينمائي بالبلاد. نحن بأشد الحاجة لوضع مسودة سياسات ثقافية تنظم العمل الثقافي في ليبيا، وخاصة العمل في المجال السينمائي وعلينا العمل على زيادة وعي صانعات وصناع الأفلام بالقوانين الموجودة وتحفيز حملات مناصرة قد تساهم في تقليل القيود المفروضة على العمل السينمائي في البلاد.
فرج السليني

فرج السليني، ٢٥ سنة، من ليبيا، مدير ثقافي بمنظمة تاناروت للإبداع الليبي وأحد مؤسسي منصة حصة سادسة للفنون. مسؤول عن مركز موارد للمجتمع المدني بمنظمة أكتد الدولية، ومدون عن السينما خاصة فيما يخص دروها كأداة فنية وتوعوية تقوم بنقد المجتمع في محاولة للتغيير وربطها بالمجتمع الليبي. خريج دورة الإدارة الثقافية من معهد جوته الألماني بتونس وبرلين، وخريج ورشة فاعل “تصميم وإدارة المشروعات الثقافية في الظروف الصعبة” وورشة فاعل لتدريب المدربين من مؤسسة العمل للأمل بلبنان؛ مشارك بورش عمل “الريادة في الفنون والثقافة” مع الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق بلبنان؛ باحث بمجال السياسات الثقافية خاصة بما يتعلق بالسينما، حيث شارك بورقته الأولى بعنوان “الليبي في شاشة الآخر” بندوة السياسات الثقافية لمجلة أكسيولوجيا بالجامعة الليبية الدولية.
مقال فرج السليني متوفر أيضاً بنسخة PDF. للتنزيل، إضغط/ي على الزر بالأسفل.