أرشيف الفيلم العربي

في مطلع شهر اب/ أغسطس 2016، تم الإعلان عن إطلاق النسخة الإلكترونية الرسمية لأرشيف الفيلم العربي والتي تتضمن بيانات ١٣٧٠ فيلم حتى الآن. جاءت الحاجة إلى موقع رسمي بعد بدء المشروع في ٢٠١٤ لكي يستطيع أكبر عدد ممكن من المهتمين الإستفادة من الموقع. ظهر أرشيف الفيلم العربي إستجابة لحاجة القطاع السينمائي العربي للإحتفاظ بموروثه الغني مع اتاحة توفره لأكبر قطاع من المهتمين.

أرسلنا عدد من الأسئلة إلى مسؤول أرشيف الفيلم العربي أحمد أمين، كي نتعرف على تاريخ الأرشيف والدور الذي يلعبه حالياً والتطور المتوقّع في السنوات القادمة.

١- ذكرت أن “أرشيف الفيلم العربي” ظهر في توقيت معين لأسباب معينة؟ متى أنشأت “أرشيف الفيلم العربي” وما هي الاسباب التي دفعتك لإنشائه؟

الحقيقة ان المشروع بدأ من واقع تجربة شخصية على المستوى المهني، فقبل حوالي 8 سنوات كنت أعمل في جامعة لفنون السينما وكانت وظيفتي تتضمن تزويد مكتبة الطلبة بأفلام عربية كلاسيكية على وجه التحديد. ومن تلك النقطة بدأت أكتشف مدى صعوبة الحصول على نسخ من معظم الأفلام القديمة للدراسة أو لأي هدف آخر، بعد أن تم بيع عدد هائل من أصول تلك الأفلام لقنوات عربية خاصة وبحقوق ملكية حصرية. كنت وقتها قد حاولت التواصل مع بعض تلك القنوات بغرض الحصول على نسخ من الأفلام ولكنني للأسف لم أنجح في تحقيق أي تقدم يذكر رغم كل الإقتراحات التي قدمتها اليهم في سبيل الموافقة على تزويد الجامعة بعدد من الأفلام. عندها فقط، أدركت حقيقة الوضع الإحتكاري الحاصل.

بدأت وبدافع شخصي تجميع أفلام عربية قديمة مفضلة بالنسبة إلي، أفلام تشكل جزء من ذاكرتي، وهكذا بدأت الرحلة الفعلية للمشروع. بعد عدة سنوات، أدركت أنه أصبح لدي مجموعة كبيرة من الأفلام وبدأت بإستخدامها في حياتي العملية وتحديدا في تدريس تاريخ السينما العربية، قبل أن تتبلور فكرة المشروع بشكله الحالي مع بداية عام 2014.

٢- ما هي الدوافع وراء التركيز على القطاع التعليمي؟ وما أهمية إتاحة الأفلام وخاصةً “كلاسيكيات السينما العربية” بسهولة أكثر للأغراض الأكاديمية والبحثية؟

الدافع الأساسي من وراء التركيز على الشق الأكاديمي في عمل المشروع هو للتوعية بأهمية توفير تاريخنا السينمائي العربي لغايات التعليم بعيداً عن حسابات المعادلة التجارية وسياسات الإحتكار، وخصوصا للجهات المتخصصة في مجال السينما من طلاب وباحثين وأكاديميين. فمن منطلق المسؤولية الأخلاقية المنوطة بتلك القنوات، يجب علينا المطالبة بتوفير حلول عملية وبديلة للقطاع التعليمي لا تحرم رواده من حق الوصول إلى تاريخه السينمائي وإستخدامه ضمن إطار الدراسات والبحوث.

ومن الجدير بالذكر أن 5 طلاب ماجستير كانوا قد إستفادوا من الأرشيف في التحضير لمشاريع تخرجهم منذ مطلع العام الحالي رغم عدم جهموزية الموقع بشكل حقيقي آنذاك، ومنذ الإطلاق الرسمي للمشروع في أواخر يوليو الماضي حتى هذه اللحظة، إستطاع الأرشيف خدمة 12 شخص في مشاريعهم، من مدرسين وباحثين وصحفيين وطلاب.

٣- ما أهمية الحفاظ على تاريخ السينما العربية أو الموروث الثقافي العربي بالنسبة لك؟

لا يمكن أن يتكون لدينا وعي مجتمعي عربي حقيقي دون أن نرجع للتاريخ دراسة وبحثاً وتأملاً، وهو ما ينطبق بالنسبة لي على صناعة السينما في العالم العربي. وأعتقد أن عمليات بيع الأصول وسياسات الإحتكار أثرت سلباً وبشكل كبير على معرفة الأجيال الجديدة (وخصوصا خارج مصر) بالتاريخ الحافل للسينما المصرية وما قدمته من تجارب مختلفة ومنها تلك البعيدة عن الصورة النمطية للفيلم المصري كمادة ترفيهية. ونحن نتكلم عن مصر كونها البلد الأقدم عمراً في تاريخ صناعة السينما والأكثر إنتاجاً وتنوعاً في أرشيفها السينمائي، لكن الحال ينطبق على معظم البلاد العربية الأخرى حيث باتت إمكانيات التعرف على أرشيفاتها السينمائية محدودة.   

من أكثر اللحظات تأثيراً بالنسبة لي كانت بعد أول سلسلة محاضرات كنت قد قدمتها لمجموعة من الطلبة حول تاريخ السينما العربية وتضمنت بطبيعة الحال عرض مجموعة من أفلام الخمسينيات والستينيات المصرية ولن أنسى ملامح الدهشة والإعجاب على وجوههم، فمنهم من لم يتصور ذلك الكم من التنوع والثراء في المواد الفيلمية، ومنهم من كانوا يعرفون أسماء مخرجين مشهورين لكن لم تتاح لهم من قبل فرصة مشاهدة أفلامهم. وكذلك الأمر مع طلاب الفنون السينمائية عربياً حيث بات التاريخ جزء مفقود من المناهج الدراسية وهنا تكمن المشكلة في العملية الإبداعية بالنسبة لي، فكيف لنا أن نبني (كصناع أفلام وباحثين) على فراغ في ظل وجود أرشيف فيلمي غير ملموس ولا متاح؟

٤- كيف يعمل الآن “أرشيف الفيلم العربي” (تقنياً وتنفيذياً)؟

الأرشيف في الوقت الحالي هو جهد فردي. فأنا وبمساعدة من حولي أقوم بتجميع الأفلام وإضافتها على قائمة الأرشيف بالإضافة إلى التواصل مع رسائل الناس وتلبية طلباتهم بقدر المستطاع. وهناك الكثير من التحديات المرتبطة بهذا من الناحية التقنية، فمثلا حفظ الأفلام يتم على أقراص صلبة مما قد يعرضها للفقدان في حال التلف أو الضياع. كما أن إرسال الأفلام هي عملية تتطلب وقتا طويلا بعض الشيء بالإعتماد على الإمكانيات المتاحة. أما عملية تجميع الأفلام نفسها فتتم على مستويين، مستوى خاص بما تم تجميعه من قبل ولكن نتطلع للحصول على نسخ أفضل من تلك التي نحتفظ بها، والمستوى الثاني يتعلق بالأفلام التي لم تتم إضافتها من قبل.

وأود هنا أن أشكر الأصدقاء على دعمهم المستمر للمبادرة منذ المراحل الأولى لإطلاقها، بكل ما قدموه من مشاركة وحماس وجهود ترويجية.

٥-” أرشيف الفيلم العربي” لا يضم إلا نسخ رقمية من الأفلام. ما هي عيوب وميزات وجود أرشيف رقمي فقط؟

أعتقد أن مسألة الجودة وعدم القدرة على الإحتفاظ بالفيلم بنسخة الإنتاج الأصلية هما من أهم عيوب الأرشيف الرقمي لأننا وفي نهاية الأمر نعتمد على الجودة المتاحة عبر مصادر محددة وأغلب نسخ الأفلام المتوفرة لدينا هي إما مسجلة من محطات تلفزيونية أو نسخ إلكترونية. ومثال على بعض مشاكل الجودة عبر الإعتماد على المتاح حاليا فيلم “أريد حلاً” الشهير لسعيد مرزوق، فالنسخة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها هي نسخة VHS تفتقر لوضوح الصورة حتى في ظل إستخدام تقنيات الديجيتال المتوفرة حاليا.

لكن بالنسبة لي على مستوى إمكانيات المشروع، فقد إضطررت أن أتخذ قرار عدم الإحتفاظ بنسخ الأفلام غير الرقمية من باب التركيز على هدفي الأساسي. فالجانب التعليمي لا يتطلب مستوى معين من الجودة ولو تمكنت اليوم من توفير 1500 فيلم بنسخ رقمية فعملية حفظ أصول الأفلام كانت ستؤثر على سرعة إنجاز المشروع.

أما على مستوى الإيجابيات فهي كثيرة ولكن أهمها طبعا القدرة على توفير الأفلام بشكل سريع وتلبية طلبات الناس إلكترونياً. بالإضافة لعدم الإرتباط الأفلام بصيغ معينة، فالعالم الرقمي يوفر لك عشرات الخيارات للإحتفاظ بنسختك الإلكترونية وذلك أمر كان له الدور الأساسي في ظهور المشروع.

٦- ذكرت أن الأرشيف الأن ليس في حالة الإكتمال المرجوة، كيف ترى تطوّر “أرشيف الفيلم العربي”؟

من المهم جدا أن يكوّن الأرشيف شراكات مع مؤسسات أكاديمية وثقافية توفر له الدعم التقني والبنية التحتية اللازمين لإستمراره وتطوره بالصورة التي تمكنه من خدمة شريحة أكبر من الأشخاص. المشروع بالنسبة لي لا يجب أن يبقى محصورا بفرد أو ضمن إطار فني بل يجب أن يخرج لشرائح أكبر من الناس وخصوصا على مستوى الطلبة والكوادر الأكاديمية. كما أتمنى أن نتمكن من الحصول على دعم من الأرشيفات والمؤسسات الحكومية المعنية، بالإضافة للقنوات الخاصة وشركات التوزيع التي تؤمن بأهمية توفير مكتبات سينمائية داخل الجامعات والمعاهد والمدارس العربية. وعلى مستوى الخطوات القادمة، فيجب العمل على أرشفة الأفلام بناء على الموضوعات التي تعالجها والشخصيات الرئيسية فيها، مما سيوفر فرص بحثية متنوعة ويزيد من إمكانيات الإستفادة من الأرشيف.

أما على المدى الطويل، أتمنى أن نتمكن من توفير خاصية التسجيل في الموقع عن طريق البريد الإلكتروني الجامعي، تمنح الطالب والأستاذ إمكانية الوصول إلى الأفلام بطريقة مباشرة ودون التواصل مع فريق الأرشيف.

٧- في وصفك لطريقة عمل “أرشيف الفيلم العربي” ذكرت أنه “اندرجراوند أو مبادرة شخصية (DIY)”، فكيف ترى العلاقة بين “أرشيف الفيلم العربي” والأرشيفات أو المؤسسات الثقافية الحكومية التي تحفظ الأفلام في بعض البلاد العربية؟

يجب أن نعترف بداية بأن الدورالحكومي لا يتماشى بالسرعة الكافية مع التطور التقني الحاصل، على عكس معظم المبادرات المستقلة أو الآندرجراوند. ومن هنا أرى علاقة تكاملية تمنحنا الفرصة للتعاون معاً والإستفادة من الموارد الحكومية من أجل بناء أرشيفات ضخمة ضمن ظروف أفضل ومن خلال أطر قانونية. وأتمنى على الأقل أن نتمكن من الحصول على نسخ من الأفلام التي تملكها الأرشيفات الحكومية لتضاف إلى رصيد أرشيف الفيلم العربي. وليس فقط على مستوى الحكومات، فالقنوات الخاصة أصبح لديها أيضا أرشيفها السينمائي وأتمنى أن نجد طريقة عمل مناسبة تضمن توفير نسخ قانونية من أفلامها لغايات تعليمية وغير ربحية.

٨- ما هي الصعاب القانونية التي تواجهها وخاصةً في العلاقة مع حقوق الملكية الفكرية والرقابة؟

حتى الآن لا يوجد غطاء قانوني يضمن بقاء وإستمرارية المشروع، وعندما حاولنا البحث في قوانين حقوق إستغلال الأفلام لأغراض تعليمية (Institutional Rights)، إصطدمنا بواقع محزن للأسف حيث لا توجد قوانين واضحة تضمن لنا إيجاد الطريقة الأمثل لإدارة المشروع. من جهة اخرى، يجدر التنويه بأن المشروع هو بحد ذاته شكل من أشكال المقاومة ضد غياب مثل تلك السياسات، ففي ظل محدودية الدور الحكومي في تأمين صيغ قانونية، تقدم الجهود المستقلة حلولا بديلة كوسيلة للتوعية حول الوضع الحالي.

أما على مستوى الرقابة، كنا قد بدأنا المشروع بسلسلة من العروض التعريفية في إحدى المساحات الفنية في الأردن، كأسبوع كلاسيكيات السينما وأسبوع أفلام كمال الشيخ، ولكننا سرعان ما واجهنا بعض التحرشات الرقابية التي كانت تطالبنا بالحصول على تراخيص عرض، رغم أنها أعمال كلاسيكية تمت برمجتها ضمن إطار تثقيفي إلى جانب مجموعة من المحاضرات والمواد المكتوبة.

وبالنسبة للفترة القادمة مع إنطلاق المشروع بصورته الرسمية، فأعتقد أن تركيزنا على توفير هذه الخدمة للقطاع الأكاديمي في المقام الأول سوف يساعدنا على التوعية بضرورة إيجاد وسائل قانونية تدعم إنشاء منصات شبيهة، كما ستفتح المجال للتعاون على مستوى أكبر بين المؤسسات الثقافية والتعليمية المختلفة في العالم العربي.

٩- ما هي خطتك لتفعيل الأرشيف وجعله متاح لقطاعات أكبر؟

هنا تكمن أهمية الشراكات الإستراتيجية مع المؤسسات الثقافية والتعليمية في سبيل نشر الأرشيف وإخراجه من النطاق الفردي أو الطبقي إلى المجتمعي، حيث أتمنى أن تتيح مثل هذه الشراكات المجال للعاملين في قطاعي الثقافة والتعليم لبرمجة عروضهم ونشاطاتهم التعيلمية الخاصة بمن حولهم من طلبة وباحثين ومهتمين. كما أطمح أن يتم تشكيل شبكة ثقافية بين جميع الأطراف المعنية نتبادل من خلالها المعلومات والخبرات، بل ونتشارك أيضا في مهمات عمل الأرشيف، وعلى رأسها تجميع الأفلام وخصوصا النادرة. في ظل نجاحنا في تحقيق ذلك في المستقبل، سيبدأ المشروع في بناء أرشيف رقمي للمواد المكتوبة يتضمن نصوص أفلام ودراسات سينمائية وكتب ومقالات، تعزز من أهداف تأسيس هذه المبادرة كمنصة تعليمية تحتفي بتاريخ السينما العربية وتدعم فرص الإستفادة المختلفة منه.

يمكن زيارة موقع” أرشيف الفيلم العربي” هنا: https://arabcinemaarchive.com/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *