نضال الدبس يتحدث عن نادي سينما دمشق

في التدوينة الأولى لملفات نأخذكم إلى نادي سينما دمشق.

التقيت مع المخرج السوري نضال الدبس في القاهرة حيث يقيم حالياً، ودارت بيننا مقابلة حول نادي سينما دمشق.

في المقابلة التالية يتحدث لنا عن علاقة جيله بنادي سينما دمشق. فبينما لا مفر من ربط النادي بنزعة سياسية وفكرية معينة إلا أن نادي السينما كان له دور مؤثر وقوي في تطوير نمط علاقة مغاير بين السينما والجمهور.

تطرقت المقابلة إلى الحديث عن تاريخ نوادي السينما في المنطقة العربية وعن تورط الافلام وصناعها وجمهورها في سياقات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية ومن هنا تأتي أهمية النظر إلى السينما ككيان اجتماعي وثقافي.

المقابلة مع نضال الدبس هي نقطة البداية لرحلة بحثية حول تاريخ نوادي السينما في المنطقة العربية وحول الحس السينمائي الذي ظهر ونمى في هذه الكيانات السينمائية الفريدة وعلاقتها باساليب لتوزيع وعرض الأفلام خارج شبكات التوزيع الرسمية أو التجارية.

                                                                                                                                                           – نور الصافوري

نبدأ من “ابن نادي سينما دمشق” كما يطلق عليك في أحيان كثيرة، فهل ممكن تكلمنا عن علاقتك بنادي السينما بدمشق وتطور هذا الكيان وعلاقته بتاريخ السينما السورية؟

نضال الدبس: أنا فعلاً لما بتكلم عن علاقتي بالسينما بتكون البداية دائماً من النادي السينمائي بدمشق الذي كان النافذة الوحيدة تقريباً في السبعينيات من القرن العشرين الممكن من خلالها مشاهدة افلام السينما الجيدة أو الجادة. نادي السينما بدمشق من أقدم نوادي السينما العربية تقريباً، حيث تم تأسيسه في أوائل الخمسينات وهو أيضاً عضو مؤسس في اتحاد الأندية السينمائية الدولي [ لمعلومات أكثر عن تأسيس نادي سينما دمشق، يمكن مراجعة حوار رشا سلطي مع عمر أميرالاي هنا]. كان القائمين على النادي من كبار المخرجين السوريين في هذه الفترة والذين كانوا حريصين على تشجيع مسألة وجود سينما قوية في سوريا، لا من خلال الإنتاج وإنما من خلال عرض افلام مختلفة عن التي تُعرض في صالات السينما العادية.

وبالفعل استطاع نادي السينما بدمشق أن يكون موجود ومؤثر على خريطة السينما لأنه كان فريد في مستوى نشاطه وكان النافذة الوحيدة لمشاهدة افلام معينه كما ذكرت. القائمين عليه من المخرجين السورين استطاعوا أن يعرضوا من خلاله افلام نادراً -وكان غريب -ما تعرض في دمشق أو دول العالم الثالث. النادي استضاف بعض الشخصيات المهمة في السينما العالمية، فبينما كان يصور باسوليني -المخرج الايطالي الشهير – فيلم Medea في سوريا استضافه نادي السينما وألقى محاضرة هناك.

ولكي أعطي صورة أوضح عن نشاط ومستوى نادي السينما بدمشق، أذكر أنه كان يوجد اتفاق في السبعينيات مع مهرجانات سينمائية دولية بحيث أن الأفلام الفائزة التي كانت تسافر لكي تعُرض في ٤ أو ٥ مدن في العالم كانت تأتي لتعرض في نادي السينما بدمشق. إحدى تلك المهرجانات كان مهرجان «لايبزغ» للأفلام الوثائقية في ألمانيا، والذي يكاد يكون أعظم مهرجانات الأفلام الوثائقية آنذاك. كانت هذه الاتفاقات تتيح لنا مشاهدة أفلام جديدة حازت على جوائز في مهرجانات كبيرة.

وهكذا بدأت علاقتنا أنا وكثير من الشباب في هذه الفترة بالسينما عن طريق النادي، فيه ناس كانت تتفرج وتتابع حتى تنمي ثقافتها السينمائية وفيه ناس بدأت تنخرط أكثر في نشاط النادي. مثلاً بعد فترة من متابعة النادي بدأت اعمل هناك وأصبحت عضو مجلس إدارة وكان عمري وقتها ١٨ سنة. كان فيه أسماء “مرعبة” أعضاء في مجلس الإدارة، مثل عمر أميرالاي وهيثم حقي  [لقراءة بيان مثير للاهتمام كتبه حقي عن أميرالاي ومجموعة نادي السينما اضغط هنا] وقيس الزبيدي ومحمد ملص ونبيل المالح وكانوا كلهم مدركين احتياجهم لشباب متحمس، وفعلاً بدأت في مطبخ النادي السينمائي واستمريت تقريباً ١٠ سنوات في مجلس الإدارة.

في البداية كان لدي هوس لمشاهدة نوع الأفلام التي كانت تعُرض في النادي. وكانت بذات الأهمية المناقشات التي تدور بعد عرض الفيلم أو حتى في معزل عنه. كنا ننظم ندوات مثلاً حول السيناريو والإخراج أو المونتاج. وأحياناً كانت تتطور الندوات لتصبح ورشة أو دورة. طبعاً أنا عملت كل ذلك، السيناريو والإخراج والمونتاج والتصوير. وهكذا لم يكن النادي السينمائي فعلاً أقل من معهد سينما.

في هذه الظروف بدأت أتعرف على السينمات الاخرى. ولازم نأخذ في الاعتبار خصوصية الفترة فكان من المستحيل مشاهدة فيلم إلا في مكان العرض لأنه لم يكن هناك فيديو أو VHS في البداية وبالتالي الأفلام كانت تعُرض من خلال نسخ ٣٥ أو ١٦ ملي. لهذا السبب ذكرت في البداية أن نادي السينما كان النافذة الوحيدة، حالياً الموضوع اختلف طبعاً.

على مر السنين عشت فترة شهدنا فيها تحول في نوادي السينما لأن دخول الفيديو أعطى لنا مساحة جديدة تماماً. فأصبحنا غير مضطرين لإحضار الأفلام من وزارة الثقافة أو من المراكز الثقافية الأجنبية، و كانا المصدرين الوحيدين للأفلام قبل ظهور الفيديو الذي أتاح لنا إمكانية التخلص من المصدرين. فأصبح من ممكن أن يبعث لنا أحداً من فرنسا مثلاً نسخة VHS من فيلم ونعرضها.

لنكمل الحديث عن تاريخ النادي، ذكرت أنه أُسس في الخمسينيات ونعلم أنه أغلق بابه (بشكل رسمي على الأقل) في أواخر الثمانينيات فكيف كان شكل العلاقة مع المؤسسة العامة للسينما التي أسستها الحكومة في ١٩٦٣؟

نضال الدبس: فكرة النادي المستقل فكرة مهمة. كان معروف في السبعينيات ان النادي السينمائي هو المنظمة الوحيدة المستقلة وكان ذلك بمثابة نشاز في الصورة العامة أدى مع الوقت لظهور مشاكل مع المؤسسة العامة. حيث أصبح وجودنا في السبعينيات مزعج بالنسبة لهم، لكن كان صعب إلغائنا نتيجة علاقات النادي القوية في المنطقة العربية والعالم. لكن المؤسسة بدأت التضييق علينا بطرق مختلفة مثل الرقابة على الافلام.

عندما تم تأسيس النادي في الخمسينيات كانت توجد مساحه أكبر للمبادرات المستقلة عن وزارة الثقافة فمسألة التأسيس تجاوزناها بسهولة نسبية. بينما في اوائل الستينيات تجاهلت مؤسسة السينما تماماً وجود نادي سينمائي في سوريا لكن سمحت بوجوده وكانت احياناً تتعاون معنا واحياناً لا (كان في ناس داخل المؤسسة العامة مهتمون في البداية بنشاط النادي وداعمين له).

لو قرأنا مشروع تأسيس المؤسسة العامة سنجد انه كان مطلوب منها نشر وتشجيع الثقافة السينمائية. والمؤسسة فسرت ذلك على انها هي المخولة بتأسيس الاندية السينمائية. بدأت في النصف الثاني من السبعينيات فعلاً تؤسس انديتها الخاصة، فكانت الاندية تأخذ شكل سينما الطلاب أو النادي السينمائي النسائي او كجزء من نشاط النقابات. بالنسبة لنا كشباب مهتم بنادي السينما لم يكن في مشكله في ذلك وكنا نحاول عمل علاقة ودية بيننا وبينهم. فطلاب الجامعات كانوا الجمهور الاكبر لنوادي السينما وانا كنت طالب في الجامعة في ذلك الوقت واتعامل مع اندية السينما الطلابية كغيرى من الشباب المهتم بالسينما.

ظهر في السبعينيات ايضاً مشروع لتوسيع النادي في محافظات أخرى خارج دمشق. كيف أثر هذا المشروع على العلاقة مع المؤسسة العامة وماذا كان المشروع بالضبط؟

نضال الدبس: كان في مشروع لتوسيع النادي السينمائي في السبعينيات وعلى الرغم من صعوبات كثيرة تأسس في نهاية السبعينيات ٥ اندية في ٤ مدن بما فيهم دمشق. بدأت التجربة لما قررنا نعرض الافلام في المحافظات. كنا نحمل الفيلم ونقوم اما بتأجير صالة للعرض أو الحصول على موافقة من الحكومة لاستغلال أحد الصالات الحكومية، حيث كانت توجد صالات تابعة مباشرة لمؤسسة السينما.

في البداية كنا نسافر نعرض في المحافظات ولما أصبح لدينا جمهور وشباب متطوع، وجدنا أن جزء منهم كان مهتم بمساعدتنا، فمثلاً قبل العرض كانوا يوزعوا إعلانات، اتكلمنا معهم انه بدل ما يساعدونا فقط يعملوا حاجة خاصة بيهم. فبدأ الشباب بتنظيم أنفسهم لتأسيس نادي سينما. طبعاً كان التأسيس لنادي سينما مستقل عن المؤسسة العامة قانونياً صعب لكنهم وجدوا طرق قانونية ملتوية. في مكان كحلب مثلاً، وجدوا جمعية في المدينة مهتمة بالآثار ونسقوا معها لتنظيم نشاطاتهم. فكان اسم جمعية الآثار يذكر قبل اسم “النادي السينمائي في حلب” على الرغم ان نشاطهم لم يكن له علاقة بالجمعية مباشرة. بينما في طرطوس أخدوا موافقة واسسوا نادي السينما في طرطوس ككيان مستقل.

وطبعاً استمرت العلاقة ما بين نادي دمشق والنوادي في المحافظات. كان فيه شباب يأخذ أفلام من دمشق ليعرضها في النوادي الأخرى، وإذا كان لديهم فاعلية ما، كنا نساعدهم في دعوة المخرجين سواء سوريين أو أجانب. بالإضافة لنشاطهم الخاص ونشاطنا الخاص كنا نحاول أن ننقل بعض النشاطات التي تحدث في دمشق إلى الأندية السينمائية المستقلة الأخرى. وكانت حاجة عظيمة! فبدل ما كان الشباب يسافر ٥ أو ٦ ساعات لمشاهدة فيلم، أصبح لهم نشاطهم السينمائي الخاص في مدينتهم.و حسب جو وظروف المكان بدأوا يعرفوا علاقتهم بالجمهور والصالة ويطوروها.

نجح مشروع التوسيع في المحافظات وهذا أزعج الحكومة أكثر، وبدأ الضغط الصريح في الثمانينيات والذي أدى في النهاية إلى إغلاق نادي السينما بدمشق في ١٩٨٨. في هذه الفترة كنا نملك صالة العرض تتسع ل ٩٠ كرسي وآلتي عرض ١٦مم و٣٥مم. لكن الطريف في الموضوع أن الأندية التي تشكلت في المحافظات استمرت في نشاطها حتى وقت قريب في حمص وطرطوس مثلاً.

يمكن سؤالي نابع من قلة المعلومات المتاحة عن نوع النشاطات والعروض التي قام بها النادي، لكن مع سماعي لحديثك الآن ومع ذكر أسماء كعمر أميرالاي ومحمد ملص وغيرهم كأعضاء مجلس إدارة بدأت أتساءل إن كان هناك فلسفة معينة لنادي سينما دمشق. هل كان يوجد موقف محدد مما كان يحدث حولكم في المجال السينمائي العالمي – بين مجيء باسوليني بكل آرائه عن السينما وعن السياسة لإلقاء محاضرة وبين سينما المؤلف كما أُطلق عليها، والتي كانت هوس للكثيرين آنذاك؟

نضال الدبس: أكيد كان هناك وجهة نظر. لكن لا أعتقد أن أحداً كان مهتم بتوصيل فكرة أن نوع معين من السينما أفضل من الآخرين. النادي لم يكن عنده أجندة توضح اننا نعرض هذا أو ذلك النوع من الأفلام. كنا حتى نعرض أفلام قد لا تكون عظيمة ولكن رأينا أن لابد من مشاهدتها لأسباب ما وكنا نتناقش بعد الفيلم. فمثلاً بخصوص سينما المؤلف -وكانت غالباً أفلام صعبة على الجمهور -كنا نقول “يلا نشاهدها سوا ونفهم ليه هي صعبة” المشكلة ليست الجمهور أبداً. المشكلة أن الجمهور لا يملك خيارات فكان هدفنا أن نعطي له خيارات، متاح لكم مشاهدة نوع من الافلام والآن عندكم فرصة تشاهدوا أنواع أخرى من السينما. كنا نعرض أفلاماً مختلفة لكن كنا دائماً مقتنعين أنها أفلام مثيرة للاهتمام في رؤيتهم السينمائية.

ما يمكن تسميته بالفلسفة فعلاً كانت رؤيتنا -ورؤيتي الشخصية ايضاً -أن الفيلم هو جزء من العرض. العرض فيه شيء أكبر من الفيلم له علاقة بالمكان، كلمة مساء الخير وأهلاً وسهلاً على الباب، المواعيد الثابتة ونمط الحياة المترتب عليها. يعني لو واحد كان عايز يقابل حد ومش عارف كان ممكن يقابله هناك في العرض الثابت يوم الثلاثاء الساعة ٩ مساءً. الناس كانت تلتقي في نادي السينما وبعد الفيلم كنا نروح نأكل أو نشرب. هكذا مفهوم العرض الذي يحتوي المكان والناس القائمين عليه والجمهور الذي يشعر بالانتماء للمكان وطبعاً الحوارات حول الافلام التي تمتد حتى خارج النادي. كل ذلك عمل حالة أو ممكن نقول “طقس سينمائي” كان جزء من حب الناس لنادي السينما وللسينما عموماً. كان في شيء من الحميمية -رسمي بس مش رسمي أوي!

كتحصيل حاصل بدأ يتطور أو ينضج الجمهور سينمائياً وظهرت نشاطات وعروض من نوع ومستوى ثاني. عرض يوم الثلاثاء في موعده الثابت أصبح للمهتمين بمشاهدة أفلام جيدة لكن ليسوا متورطين بقوة في المجال السينمائي. العرضان الآخران يوم الأحد الساعة ٦ ويوم الخميس الساعة ٦ أصبحوا للمهتمين بالسينما والسينما الصعبة خصوصاً كمتفرجين لكن ايضاً كناس عندها رغبة للكلام عن الفيلم وتفكيكه ككيان سينمائي. في هذه الأوقات كنا نعرض افلام التخرج لمخرجين سوريين وغير سوريين. أتذكر أننا عرضا فيلم التخرج لرضوان الكاشف في النادي السينمائي بدمشق وكان أول عرض له. وعقدنا ندوات ونقاشات حول الفيلم مع المخرج. أكثر من هذا بدأنا نعمل عروض خاصة جداً للمهتمين تماماً. مثلاً كان هناك شباب مهتم بالسيناريو فكنا نعرض لهم أفلام السيناريو بيلعب فيها دور مهم وبعدها تدور حوارات مع كتاب سيناريو وهكذا للمهتمين بالتصوير او المونتاج.

احياناً كان جمهور النادي يطالب بنوع ثاني من الأنشطة، ومع الوقت بدأنا نتخصص في بعض عروض النادي. كنا نختار تيمات ونعرض ٥ او ٦ افلام من العالم تناقش التيمة أو الموضوع نفسه. وصلنا لنشاطات كبيرة جداً. في ١٩٧٨ استطعنا تنظيم اسبوعي عروض -كان مثل مهرجان -حول السينما والسياسة وكان بالتعاون مع المجلة الفرنسية المشهورة جداً في هذا الوقت ال Cahiers du Cinéma وبتنسيق من أميرلاي. برنامج “السينما والسياسة” كان شيء نادر جداً في هذا الوقت وعرضت من خلاله أفلام لأول مره في سوريا وكانهناك افلاماً ممنوعه لكننا جازفنا وعرضناها. تيمة ثانية نظمنا حولها عروض كانت ” الفلاحون في سينما العالم الثالث” -تيمة مدهشة جمعنا من خلالها أفلام من اثيوبيا، أفلام عربية وأفلام من دول كان من الصعب أن نشاهد افلام منها. برنامج ” الفلاحون في سينما العالم الثالث” بالذات طلبته مننا اندية سينمائية اخرى عربية وعالمية وفعلاً البرنامج عرُض في اماكن كثيرة. من ضمن التيمات ايضاً كان اسبوع حول “الطلاب والسينما” كان هناك في ذلك الوقت احتجاجات طلابية في امريكا وفرنسا وبعض البلاد الاوروبية الاخرى. نظمنا برنامج ايضاً عن “حرب فيتنام في السينما” عرضنا من خلاله افلام وثائقية عن الحرب وافلام روائية مثل هيروشيما حبيبتي ( آلان رينيه، ١٩٥٩) ومجموعة افلام ألمانية عن الحرب الفيتنامية وغيرهم. كثير من الافلام التي شاهدتها في ذلك الوقت أبحث عنها اليوم ولا أجدها.

بعد “السينما والسياسة” و”الفلاحون في سينما العالم الثالث” طلع كتاب. لأننا كنا ندعو كتاب ونقاد مهتمون بالتيمة و/أو السينما، فكانوا أحياناً يسجلون الحوارات والنقاشات والافكار وينشرون كتب. وأحياناً كان نادي السينما في دمشق ايضاً يطبع كتب، خصوصاً الكتب المتخصصة جداً التي لم تهتم أي دار نشر بطباعتها. نادي السينما كان له مكتبة وكانت تضم أفلاماً وكتب ونشرات أو جرائد سينمائية والتي كنا نطبعها لكل عرض.

على هذا المستوى كان نشاط نادي السينما في دمشق. كان هناك مواقف معينة وعلاقة لها شكلها الخاص مع السينما سواء سمينا ذلك فلسفة أو لا. وفي ذلك الوقت لم يكن هناك فكرة التمويل. كانت مصادر الدخل هي بيع التذاكر والاشتراكات والتبرعات من الأعضاء واحياناً تبرعات من اتحاد الاندية السينمائية الدولية. فكنا احياناً نتبرع كقائمين على النادي بطباعة كتاب او ما شابه.

نادي السينما في بلاد مثل بلادنا كان لابد انه يلعب أكثر من دور، وذلك لغياب مؤسسات اخرى مهمه لدعم السينما كمعهد السينما والسينماتك وغيرهم. طبعاً ممكن الحال يتغير في السنوات القادمة.

في البداية ذكرت وجود جزء من أنشطة نادي السينما قريب من دور معهد السينما. هل كان يوجد اهتمام بتوفير معدات ومساعدة شباب على صناعة فيلمهم اللأول مثلاً؟

نضال الدبس: لا لم نصل لتلك المرحلة. كنا نقدم دعم من خلال الورش التي ذكرتها ومن خلال مساعدة الشباب انهم يشاهدوا افلام قد تفيدهم في مشاريعهم. فكان هناك من يطلب من النادي عرض فيلم سمعت عنه وتعتقد ان له علاقة بموضوع معين مهتمين به. كنا نبحث عن الفيلم ونعرضه. على أي حال لم يكن لدى كثير من البلاد العربية “سينما مستقلة” في ذلك الوقت لأن الحكومة كانت تتحكم في خام الفيلم ال ٣٥، ١٦ وسوبر8.

لكن بعض المخرجين المتورطين في النادي ساعدوا الشباب -بما فيهم انا -انهم يحصلوا على منح لدراسة السينما في أكبر المعاهد آنذاك.

من المبهر نوع برمجة الافلام التي قمتم بها وحركة النشر والورش، لكن هل كنتم مهتمين آنذاك بفكرة الحفاظ على تاريخ السينما ولاسيما السينما العربية حتى لو من خلال برامج أفلام معينة؟

نضال الدبس: أكيد الذي فكر في اسبوع “الفلاحون في سينما العالم الثالث” فكر انه يجمع افلام من مصر وسوريا واليمن وتونس أُنتجت أو صورت في١٩٦٠ مثلاً ويبحث عما يمكن استشفافه من مشاهدة الافلام في إطار برنامج واحد. وكنا نعرض افلام مثلاً صورها الفرنسيون في سوريا أثناء فترة احتلالهم لها. فكرة ارتباط الفيلم بذاكرة جماعية معينة كانت على بالنا.

لكن الموضوع لم يكن «تعالوا نفكر في الارشيف»، كان الأرشيف -ما انتجته السينما من قبل -جزء من اهتمامنا بموضوع معين مثل الفلاحين في السينما أو الطلاب والسينما وغيرهم. يمكن لو استمر نشاط النادي كنا نظمنا برنامج حول تيمة الأرشيف. الأرشيف هو يخص مجموعة صغيرة وهم السينماتك او متحف الأفلام، لكن عندما نتحدث عن نادي السينما فإذن الارشيف لازم ينزل من مكانه كتحفة ويصبح مادة عصرية ذات صلة بالحاضر، نرى من خلالها الحاضر في سياق مختلف. لازم نميز ما بين نادي السينما والسينماتك.

لكن أعتقد ان العلاقة مع الارشيف هي احدى النقاط المهمة التي يمكننا من خلالها إعادة خلق تجربة النادي السينمائي في وقتنا الحالي.

في كلام كثير عن حاجتنا في المنطقة العربية إلي أرشيفات سينما قوية لكن انت مفهومك عن الأرشيف أوسع من كونه مكان لحفظ الافلام. لماذا ترى ان الأرشيف إحدى النقاط التي يمكن من خلاها إعادة إبتكار تجربة النادي السينمائي في وقتنا؟

نضال الدبس: في زمننا كان الناس تأتي إلى نادي السينما وهم لا يعرفون الفيلم الذي سيعرض. الاختلاف الأكبر اليوم إن الأفلام موجودة والناس ممكن تأتي للنادي بعد أن تكن شاهدت الفيلم أصلاً. فالنادي لم يعد مكاناً لاكتشاف أفلام جديدة في المقام الأول، بل هو مكان لإعادة اكتشاف الأفلام لو صح التعبير فإذن علاقة النادي بالأرشيف أصبحت أقوى.

السؤال يأخذنا مرة ثانية لفكرة فلسفة نادي السينما. الشيء الذي يمكن ان نستعيره من تجربة النادي السينمائي في دمشق هو إن النشاط السينمائي ليس فيلم فقط، وانما هو العرض ككل بما فيه الشاشة والكراسي والمكان والنقاشات والعلاقة بين الناس، وهي تلك العوامل التي تخلق “الطقس السينمائي.” مثل الجامع او الكنيسة علاقتنا بهم تغيرت مع الوقت لكن مازال في طقس معين يميز هذه الأماكن.

لو ان الفيلم لم يعد الورقة الرابحة التي تجذب الجمهور لابد أن نفكر في الأدوات الاخرى التي توسع دائرة عرض الفيلم لتشمل كل شيء من اول ما الناس تقطع التذكرة إلي الحوارات والنقاشات التي تستمر بعد انتهاء العرض.

هل هناك ذكرى أو صورة تلخص علاقتك مع نادي السينما؟

نضال الدبس: بعد انتهائي من الدراسة في ال VGIK وعودتي من موسكو ذهبت إلى المؤسسة العامة لمقابلة أحد الزملاء. كان بالغرفة كرسي، جلست عليه، كان لونه اسود، حسّيت إن الكرسي أنا عارفه. تجاوزت الموضوع وكملت الحديث لكن احساسي بالكرسي ألح عليَّ أكثر فسألت من اين جاء الكرسي؟ وبحثت حتى اكتشفت أنه احدى كراسي نادي السينما لكن القماش تغير. لهذه الدرجة أثر فينا النادي. إحساس الجلوس على هذه الكراسي مازال محفور في الذاكرة.

مصدر صورة المقال هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *